فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}
اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها ظاهر والتقدير: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار، إلا أنه حذف الجواب لظهوره ومثله في القرآن كثير كقوله تعالى: {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَنًا فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء} [فاطر: 8] وقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل ساجدا وَقَائِمًا} [الزمر: 9] وقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].
واعلم أن أول هذه الآية مشتمل على ألفاظ أربعة كل واحد محتمل.
فالأول: أن هذا الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة من ربه من هو.
والثاني: أنه ما المراد بهذه البينة.
والثالث: أن المراد بقوله: {يتلوه} القرآن أو كونه حاصلًا عقيب غيره.
والرابع: أن هذا الشاهد ما هو؟ فهذه الألفاظ الأربعة مجملة فلهذا كثر اختلاف المفسرين في هذه الآية.
أما الأول: وهو أن هذا الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة من ربه من هو؟ فقيل: المراد به النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل: المراد به من آمن من اليهود كعبدالله بن سلام وغيره، وهو الأظهر لقوله تعالى في آخر الآية: {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} وهذا صيغة جمع، فلا يجوز رجوعه إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بالبينة هو البيان والبرهان الذي عرف به صحة الدين الحق والضمير في: {يتلوه} يرجع إلى معنى البينة، وهو البيان والبرهان والمراد بالشاهد هو القرآن، ومنه أي من الله ومن قبله كتاب موسى، أي ويتلو ذلك البرهان من قبل مجيء القرآن كتاب موسى.
واعلم أن كون كتاب موسى تابعًا للقرآن ليس في الوجود بل في دلالته على هذا المطلوب و: {إِمَامًا} نصب على الحال، فالحاصل أنه يقول اجتمع في تقرير صحة هذا الدين أمور ثلاثة أولها: دلالة البينات العقلية على صحته.
وثانيها: شهادة القرآن بصحته.
وثالثها: شهادة التوراة بصحته، فعند اجتماع هذه الثلاثة لا يبقى في صحته شك ولا ارتياب، فهذا القول أحسن الأقاويل في هذه الآية وأقربها إلى مطابقة اللفظ وفيها أقوال أخر.
فالقول الأول: أن الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة من ربه هو محمد عليه السلام والبينة هو القرآن، والمراد بقوله: {يتلوه} هو التلاوة بمعنى القراءة وعلى هذا التقدير فذكروا في تفسير الشاهد وجوهًا: أحدها: أنه جبريل عليه السلام، والمعنى: أن جبريل عليه السلام يقرأ القرآن على محمد عليه السلام.
وثانيها: أن ذلك الشاهد هو لسان محمد عليه السلام وهو قول الحسن ورواية عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنهما قال: قلت لأبي أنت التالي قال: وما معنى التالي قلت قوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ} قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كان الإنسان إنما يقرأ القرآن ويتلوه بلسانه لا جرم جعل اللسان تاليًا على سبيل المجاز كما يقال: عين باصرة وأذن سامعة ولسان ناطق.
وثالثها: أن المراد هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمعنى أنه يتلو تلك البينة وقوله: {مِنْهُ} أي هذا الشاهد من محمد وبعض منه، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد عليه السلام.
ورابعها: أن لا يكون المراد بقوله: {وَيَتْلُوهُ} القرآن بل حصول هذا الشاهد عقيب تلك البينة، وعلى هذا الوجه قالوا إن المراد أن صورة النبي عليه السلام ووجهه ومخايله كل ذلك يشهد بصدقه، لأن من نظر إليه بعقله علم أنه ليس بمجنون ولا كاهن ولا ساحر ولا كذاب والمراد بكون هذا الشاهد منه كون هذه الأحوال متعلقة بذات النبي صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أن الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة هم المؤمنون وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بالبينة القرآن: {وَيَتْلُوهُ} أي ويتلو الكتاب الذي هو الحجة يعني ويعقبه شاهد من الله تعالى، وعلى هذا القول اختلفوا في ذلك الشاهد فقال بعضهم: إنه محمد عليه السلام وقال آخرون: بل ذلك الشاهد هو كون القرآن واقعًا على وجه يعرف كل من نظر فيه أنه معجزة وذلك الوجه هو اشتماله على الفصاحة التامة والبلاغة الكاملة وكونه بحيث لا يقدر البشر على الإتيان بمثله، وقوله: {شَاهِدٌ مّنْهُ} أي من تلك البينة لأن أحوال القرآن وصفاته من القراءات متعلقة به.
وثالثها: قال الفراء: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ} يعني الإنجيل يتلو القرآن وإن كان قد أنزل قبله، والمعنى أنه يتلوه في التصديق، وتقريره: أنه تعالى ذكر محمدًا صلى الله عليه وسلم في الإنجيل، وأمر بالإيمان به.
واعلم أن هذين القولين وإن كانا محتملين إلا أن القول الأول أقوى وأتم.
واعلم أنه تعالى وصف كتاب موسى عليه السلام بكونه إمامًا ورحمة، ومعنى كونه إمامًا أنه كان مقتدى العالمين، وإمامًا لهم يرجعون إليه في معرفة الدين والشرائع، وأما كونه رحمة فلأنه يهدي إلى الحق في الدنيا والدين، وذلك سبب لحصول الرحمة والثواب فلما كان سببًا للرحمة أطلق اسم الرحمة عليه إطلاقًا لاسم المسبب على السبب.
ثم قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} والمعنى: أن الذين وصفهم الله بأنهم على بينة من ربهم في صحة هذا الدين يؤمنون.
واعلم أن المطالب على قسمين منها ما يعلم صحتها بالبديهة، ومنها ما يحتاج في تحصيل العلم بها إلى طلب واجتهاد، وهذا القسم الثاني على قسمين، لأن طريق تحصيل المعارف إما الحجة والبرهان المستنبط بالعقل وإما الاستفادة من الوحي والإلهام، فهذا الطريقان هما الطريقان اللذان يمكن الرجوع إليهما في تعريف المجهولات، فإذا اجتمعا واعتضد كل واحد منهما بالآخر بلغا الغاية في القوة والوثوق، ثم إن في أنبياء الله تعالى كثرة، فإذا توافقت كلمات الأنبياء على صحته، وكان البرهان اليقيني قائمًا على صحته، فهذه المرتبة قد بلغت في القوة إلى حيث لا يمكن الزيادة فقوله: {أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} المراد بالبينة الدلائل العقلية اليقينية، وقوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ} إشارة إلى الوحي الذي حصل لمحمد عليه السلام، وقوله: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إَمَامًا وَرَحْمَةً} إشارة إلى الوحي الذي حصل لموسى عليه السلام، وعند اجتماع هذه الثلاثة قد بلغ هذا اليقين في القوة والظهور والجلاء إلى حيث لا يمكن الزيادة عليه.
ثم قال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الاحزاب فالنار مَوْعِدُهُ} والمراد من الأحزاب أصناف الكفار، فيدخل فيهم اليهود والنصارى والمجوس.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا كان من أهل النار» قال أبو موسى: فقلت في نفسي إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول مثل هذا إلا عن القرآن، فوجدت الله تعالى يقول: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الاحزاب فالنار مَوْعِدُهُ} وقال بعضهم: لما دلت الآية على أن من يكفر به فالنار موعده، دلت على أن من لا يكفر به لم تكن النار موعده.
ثم قال تعالى: {فَلاَ تَكُ في مِرْيَةٍ مّنْهُ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ} ففيه قولان: الأول: فلا تك في مرية من صحة هذا الدين، ومن كون القرآن نازلًا من عند الله تعالى، فكان متعلقًا بما تقدم من قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} [هود: 13] الثاني: فلا تك في مرية من أن موعد الكافر النار.
وقرئ: {مِرْيَةٍ} بضم الميم. ثم قال: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} والتقدير: لما ظهر الحق ظهورًا في الغاية، فكن أنت متابعًا له ولا تبال بالجهال سواء آمنوا أو لم يؤمنوا، والأقرب أن يكون المراد لا يؤمنون بما تقدم ذكره من وصف القرآن. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَّبِّه}
فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه القرآن، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثاني: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد وعكرمة وأبو العالية وأبو صالح وقتادة والسري والضحاك.
الثالث: الحجج الدالة على توحيد الله تعالى ووجوب طاعته، قاله ابن بحر.
وذكر بعض المتصوفة قولًا رابعًا: أن البينة هي الإشراف على القلوب والحكمة على الغيوب.
{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه لسانه يشهد له بتلاوة القرآن، قاله الحسن وقتادة، ومنه قول الأعشى:
فلا تحبسنّي كافرًا لك نعمةً ** على شاهدي يا شاهد الله فاشهد.

الثاني: أنه محمد صلى الله عليه وسلم شاهد من الله تعالى، قاله علي بن الحسين.
الثالث: أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس والنخعي وعكرمة والضحاك.
الرابع: أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، روى المنهال عن عباد بن عبد الله قال: قال عليّ: ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية، قيل له: فما نزل فيك؟ قال: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنُهُ}
الخامس: أنه ملك يحفظه، قاله مجاهد وأبو العالية.
ويحتمل قولًا سادسًا: ويتلوه شاهد من نفسه بمعرفة حججه ودلائله وهو عقله ووحدته، قال ابن بحر.
{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} فيه وجهان:
أحدهما: ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة، قاله ابن زيد.
الثاني: ومن قبل محمد كتاب موسى، قاله مجاهد.
{إِمَامًا وَرَحْمَةً} فيه وجهان:
أحدهما يعني متقدمًا علينا ورحمة لهم.
الثاني: إمامًا للمؤمنين لاقتدائهم بما فيه ورحمة لهم.
{أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه.
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم أهل الأديان كلها لأنهم يتحزبون: قاله سعيد بن جبير.
الثاني: هم المتخزبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمعون على محاربته.
وفي المراد بهم ثلاثة أوجه: أحدها: قريش، قال السدي.
الثاني: اليهود والنصارى، قاله سعيد بن جبير.
الثالث: أهل الملل كلها: {فَالْنَّارُ مَوْعِدُهُ} أي أنها مصيره، قال حسان بن ثابت:
أوردتموها حياض الموت ضاحيةً ** فالنار موعِدُها والموت لاقيها

{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ منه} فيه وجهان:
أحدهما: في مرية من القرآن قاله مقاتل.
الثاني: في مرية من أن النار موعد الكفار، قاله الكلبي، وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به جميع المكلفين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أفمن كان على بيِّنة من ربه}
في المراد بالبينة أربعة أقوال:
أحدها: أنها الدين، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الضحاك.
والثالث: القرآن، قاله ابن زيد.
والرابع: البيان، قاله مقاتل.
وفي المشار إليه ب {مَنْ} قولان:
أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس والجمهور.
والثاني: أنهم المسلمون، وهو يخرَّج على قول الضحاك.
وفي قوله: {ويتلوه} قولان:
أحدهما: يتبعه.
والثاني: يقرؤه.
وفي هاء {يتلوه} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: إِلى القرآن، وقد سبق ذكره في قوله: {فأْتوا بعشرِ سُوَرٍ مثلِهِ مفتريات} [هود 13].
وفي المراد بالشاهد ثمانية أقوال:
أحدها: أنه جبريل، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وإِبراهيم في آخرين.
والثاني: أنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتلو القرآن، قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وقتادة في آخرين.
والثالث: أنه علي بن أبي طالب.
و{يتلوه} بمعنى يتبعه، رواه جماعة عن علي بن أبي طالب، وبه قال محمد بن علي، وزيد بن علي.
والرابع: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو شاهد من الله تعالى، قاله الحسين بن علي عليه السلام.
والخامس: أنه ملَك يحفظه ويسدده، قاله مجاهد.
والسادس: أنه الإِنجيل يتلو القرآن بالتصديق، وإِن كان قد أُنزل قبله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشَّرت به التوراة، قاله الفراء.
والسابع: أنه القرآن ونظمه وإِعجازه، قاله الحسين بن الفضل.
والثامن: أنه صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه ومخايله، لأن كل عاقل نظر إِليه علم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.